في قرية صغيرة قرب سفح الجبل،
كان راعٍ يعيل أسرته من بيع الغنم والجمل.
نادَى ابنه الصغير وقال له في اهتمام:
“ارعى القطيع يا ولدي، واحذر من اللئام!

فالذئب في الوادي يترصّد بلا كلل،
وإن غفلتَ لحظة، سيفتك بالحمل!”

جلس الولد قرب نخلةٍ بظلّها الوارف،
وحوله الأغنام تمشي بخطى بطيئة وحواف.
لكن الساعات تمرّ ببطءٍ وملل،
ولا شيء يثير الحماس، لا صهيل ولا جمل.

حاول أن يُسلّي نفسه بقصصٍ وحكايا،
لكن النعاج لا تجيد الضحك ولا الغنايا.
فخطرت له حيلة وقال وهو يضحك في سرّه:
“سأداعب أهل القرية… وأرى من يُسرّه!”

صرخ بأعلى صوته، “ذئب! يا ناس! أنقذوني!
ها هو بين الأشجار، يزحف كي يفتكوني!”

فزع الناس من السوق وتركوا أعمالهم،
وسرعان ما صعدوا التلّ بكل رجالهم.
لكنهم لم يجدوا إلا الغنم تنام بسلام،
والولد يضحك، في عينيه مكرٌ وخصام.

غضبوا وقالوا: “كُفّ عن اللعب بالنار،
إن عدتَ للكذب، فلن تجد من يُغيثك في الدار!”

مرّ وقت، وملّ الولد من سكون الغنم،
فقال: “سأجعل الذئب يأتي فوق جمل!”
صرخ: “ذئب! يركب ناقة! نحونا يندفع!”
“سيخطف الغنم، ويلبس عباءة كالبدوي المُقنّع!”

جاؤوا يركضون، وهم مذهولون من الخبر،
لكن لم يجدوا إلا ولدهم يضحك وينفجر.
قال أحد الشيوخ: “لن نعود بعد اليوم!”
وغادروا المكان وهم يجرّون الهموم.

واستمر الولد في أكاذيب من خياله،
مرّة يأتي الذئب بقافلة، وأخرى في حنطاله.
“ذئب في خيمة، يطلب قهوة وسُكّر!”
“ذئب يقرأ الشعر، ويغنّي مثل المُطَرّب!”

لكن مع الغروب، أتى الذئب بالفعل،
وجعل القطيع فوضى، وهرب الجميع للخلّ.
صرخ الولد: “ذئب! الذئب! أنقذوا الغنم!”
لكن لم يصدّقه أحد، فكلهم ظنوه كاذبًا دائمًا.

ولما حضر والده ووجد الأغنام قد ذهبت،
بكى الولد وقال: “أنا السبب، الكذبة جرّت!”
قال الأب بحكمة: “يا بني، لا يُصدق الكذّاب،
حتى لو قال صدقًا، يُظن أنه في عذاب.”

ومن يومها ترك الولد اللعب والخداع،
وصار يرعى الغنم ويُحسن الاستماع.
أما الذئب، فغادر يبحث عن رزقه في قصةٍ أخرى،
ربما في حكاية “ثعلبٍ” أو “غرابٍ” في سطر روايةٍ أخرى…

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *